بقلم/ أمل حافظ
يُشكل اكتئاب ما بعد الولادة (postpartum depression) أزمة للبعض، وسخرية للبعض الآخر. هذا الاختلاف بين النظرتين ربما يكون بسبب غياب الوعي وانعدام الثقافة حول مثل تلك الموضوعات. أو عدم إقرار بعض المجتمعات بأن للمرأة المساحة الكافية للتعبير عما تشعر به من اضطرابات نفسية أو جسدية.
في هذا المقال سنتعرف إلى بعض النقاط التي تُسقط الضوء على أهمية الاعتناء بالمرأة ولاسيما في فترة ما بعد الولادة. وأيضًا سنضيف لك قدرًا ليس هينًا من المعلومات الدسمة حول ما يُعرف بــ «اكتئاب ما بعد الولادة».
ما المقصود بــ «اكتئاب ما بعد الولادة»؟
هو مزيج معقد من التغيرات الجسدية، النفسية، العاطفية، والسلوكية التي تحدث لكثير من النساء بعد الولادة. وهو يُعد شكل من أشكال الاكتئاب الشديد الذي يبدأ في خلال 4 أسابيع بعد الولادة.
يرتبط اكتئاب ما بعد الولادة بدرجة كبيرة بالتغيرات الكيميائية التي تحدث عند الإنجاب، تتضمن تلك التغيرات انخفاضًا سريعًا في الهرمونات بعد الولادة.
على سبيل المثال؛ مستويات هرمون الإستروجين والبروجسترون، بالإضافة إلى الهرمونات التناسلية الأنثوية، جميعها تزداد عشرة أضعافها خلال الحمل، ثم تنخفض بشكل حاد بعد 3 أيام من الولادة.
في بعض الأحيان يغفل الناس عن ذلك النوع من الاكتئاب، لذا من المهم أن يعرف الأهل والأزواج والأصدقاء الأعراض المرتبطة به.
ومن هذه الأعراض:
- مشاكل في النوم.
- تغيرات في الشهية.
- التعب الشديد.
- عدم الاهتمام بالطفل أو الشعور بالنفور منه.
- البكاء المستمر، دون سبب.
- الإحساس باليأس والعجز وقلة الثقة بالنفس.
- التفكير في إيذاء النفس أو الغير، حتى الانتحار.
- فقدان القدرة على التفكير واتخاذ القرارات.
- بالإضافة إلى إصابة 1% - 3% من النساء بأعراض الوسواس القهري بشأن صحة الطفل.
اسباب اكتئاب ما بعد الولادة
تختلف أسباب اكتئاب ما بعد الولادة باختلاف شخصية المرأة والبيئة التي نشأت وعاشت بها، ومن هذه الأسباب:
- الصراع الأسري (إما مع الأهل أو الزوج).
- إصابة الزوجة ببعض الأمراض مثل: الاضطراب ثنائي القطب.
- السن (كلما كانت المرأة أصغر سنًا، زادت فرصتها في الإصابة)
- حدوث حدث طارئ عقب الولادة، مثل وفاة أحد المقربين، أو أزمة صحية أو فقدان مال أو حتى وظيفة.
- إنجاب طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة أو لديه بعض المشاكل الصحية.
- فقدان الدعم الاجتماعي.
- انعدام اهتمام الزوج أو التقليل من أهمية ما تشعر به من ألم أو شعور بالوحدة.
- القلق المستمر حول ما إذا كانت قادرة على العناية بطفل صغير أم لا.
- شعور بعض النساء بأنهن فقدن جمالهن، خاصة إذا مر معظم الوقت في العناية بالبيت والأولاد.
- النقص الحاد في الهرمونات التي تفرزها الغدة الدرقية، ومن ثم تسبب الشعور بالتعب والاكتئاب.
مدة اكتئاب ما بعد الولادة
يمكن أن تبدأ أعراض الاكتئاب بعد الولادة مباشرة، ولكن أحيانًا لا يُلاحظ ذلك على الفور، لأنه من الطبيعي أن تشعر المرأة بالحزن والإرهاق عمومًا خلال الأيام الأولى بعد الولادة.
تختلف مدة اكتئاب ما بعد الولادة من امرأة لأخرى فلا يوجد دليل واضح على ثبات تلك المدة، فعلى سبيل المثال؛ هناك من تستمر لديهن الأعراض من أسبوعين إلى 12 شهرًا بعد الولادة، وهناك من لا تزل تعاني تلك الأعراض لـ 6 أشهر بعد الولادة.
ليس هذا فقط، بل هناك بعض الأشخاص الذين لا يزالون يتعاملون مع أعراض الاكتئاب بعد 3 سنوات من الولادة.
وتزداد المدة أو تقل حسب عوامل أخرى، منها:
- صعوبة الرضاعة الطبيعية.
- الحمل المضطرب أو الولادة المعقدة.
- نقص الدعم من أفراد الأسرة.
- اضطرابات صحية أو نفسية سابقة.
اكتئاب ما بعد الولادة القيصرية
أظهرت بعض الدراسات ارتفاع مخاطر الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة في حالة الولادة القيصرية عام 2019 في حين أن بعض الدراسات الأخرى لم تُظهر ذلك.
بعض النساء يشعرن بالذنب لأنهن يعدَّن الطريقة القيصرية للولادة هي بمثابة فشل من جانب الأم في تحمل الألم، وهذا الشعور بالذنب يساهم بشكل كبير في الإصابة بـ PPD (اكتئاب ما بعد الولادة).
دور الزوج في اكتئاب ما بعد الولادة
المشاركة:
الكثير من الرجال يغفلون عن فكرة أن المشاركة تغني كثيرًا عن تناول الأدوية، وهذا لأن الكثير من النساء حين يشعرن بالحب والدعم يقدرن على التعامل مع أي شيء يتعبهن.
- بإمكانه أخذ الطفل لبعض الوقت لتنال هي قسطًا من الراحة.
- الاهتمام بالحالة النفسية للزوجة، بالطعام وأيضًا الدواء.
- تعزيز الشعور لديها بأنه يُقدر ما تشعر به ويفهم جيدًا ما تعانيه.
- عدم السخرية منها أمام الأهل والأصدقاء.
- محاولة إسعادها إما بنزهة لطيفة أو بهدية مميزة.
- تبادل أطراف الحديث معها حتى يساعدها في الخروج من حالة الاكتئاب والعزلة.
متى ينتهي اكتئاب ما بعد الولادة؟
دون تلقي العلاج، يمكن أن يستمر اكتئاب ما بعد الولادة لعدة أشهر أو حتى لسنوات، ومع ذلك، يتوفر العلاج الفعال الذي يمكن أن يساعد النساء في التغلب على أعراض ذلك الاكتئاب والعناية بصحتهن وتحسين حياتهن.
يشير مكتب صحة المرأة للنساء إلى أهمية طلب المساعدة للتخلص من الاكتئاب فور شعورهن به عقب الولادة، خاصة إذا استمر لديهن الشعور باليأس والحزن والفراغ لأكثر من أسبوعين.
وجد الباحثون المختصون بمراجعة عوامل الخطر التي تجعل بعض النساء أكثر عرضة من غيرهن للشعور باكتئاب ما بعد الولادة، أن أعراض الاكتئاب بعد الولادة في كثير من الأحيان تنخفض بمرور الوقت، لكن، أشارت النتائج أيضًا إلى أن 38% من النساء اللواتي أُصيبن بالاكتئاب بعد الولادة عانيْن أعراض الاكتئاب بشكل مستمر.
وأن حوالي 50% من النساء اللواتي تلقين الرعاية استمروا في الشعور بالأعراض بعد أكثر من عام من الولادة.
أما اللواتي لم يتلقين العلاج، فإنه لا يزال 30% منهن يعانين أعراض لاكتئاب لمدة تصل إلى 3 سنوات بعد الولادة.
كيف اعالج نفسي من اكتئاب ما بعد الولادة؟
- تناولي الأدوية المضادة للقلق أو مضادات الاكتئاب والعلاج النفسي.
- بعض الحالات تستدعي الدخول إلى مركز علاج لعدة أيام حتى تستقر، وإذا لم تستجب فالعلاج بالصدمات الكهربائية فعالًا.
- يجب أن تعتنين بنفسك.
- ابحثي عن أصدقاء للتحدث معهم وطلب المساعدة.
- مارسي الرياضة وتناولي الطعام الصحي.
- أكثِري من ممارسة الهوايات المختلفة كالرسم والقراءة.
- اذهبي لدورات للتعافي، أو لأخرى مما تهتم بصحة المرأة والعناية بالطفل.
اختبار اكتئاب ما بعد الولادة
تهتم الجهات المعنية في الآونة الأخيرة بعمل اختبارات للنساء عقب الولادة، للاطمئنان على صحتهم النفسية.
وهذا الاختبار يكون عبارة عن بعض الأسئلة، ومن خلال الإجابات يمكن معرفة الحالة النفسية للأم. ومن هذه الأسئلة:
- هل تشعرين بالقلق والخوف والحزن دون سبب معلوم؟
- بأي درجة يمكنك رؤية الجانب المضحك من الأشياء؟
- هل لديك القدرة على الاستمتاع بالأشياء دون عوائق فكرية؟
- إلقاء اللوم على نفسك، هل شعور دائم أم مؤقت؟
- ما أول ما شعرتِ به حين أخذتِ طفلك بين يديك؟
وفي النهاية عزيزي القارئ، أتمنى أن أكون قد ساعدتك في معرفة بعض المعلومات المهمة عن اكتئاب ما بعد الولادة، وأن تكون الرحلة بين حروفي ممتعة ومفيدة وعلى قدر توقعاتك من هذا المقال.
والآن، ما رأيك هل مصطلح اكتئاب ما بعد الولادة حقيقة أم محض تراهات؟