الوسواس القهري | هل أنت من المعرضين للإصابة به؟

بقلم: فاطمة شاهين


هل سمعت من قبل عن اضطراب الوسواس القهري؟ إن لم تكن سمعت بالمصطلح، فمن المؤكد أنك مررت بأي من الحالات التالية.

ربما صادفت في العمل ذلك الشخص الذي يحرص على غسل يديه أكثر من 10 مرات خلال الساعة الواحدة للتأكد من نظافتها.

وربما يقوم أحد أفراد أسرتك بتكرار وضوئه مرات متتالية قبل أداء الصلاة، للتثبت من صحة وضوئه.

بل ربما تكون أنت نفسك أحد هؤلاء الأشخاص الذين يعودون أدراجهم أكثر من مرة بعد الخروج من المنزل للتأكد من أن الموقد منطفىء أو أن المكواة غير موصلة بالكهرباء.

هذه بعض صور اضطراب الوسواس القهري، لذا دعونا نتعرف في هذا المقال على هذا المرض وأعراضه وأسبابه وطرق علاجه.

ما هو الوسواس القهري؟

الوسواس القهري (بالإنجليزية: Obsessive Compulsive Disorder or OCD) هو اضطراب نفسي تتسلط فيه على المريض أفكار مزعجة وملحة تُسمى وساوس، وتكون مصاحبة لمشاعر قلق وخوف قد تصل لحد الذعر أحيانًا.

 

تدفع هذه الأفكار الإنسان لأداء أفعال وسلوكيات معينة بصورة متكررة وعلى نحو قهري للتخلص إلحاحها عليه.
وإذا استسلم الشخص لهذه الحالة، قد يبقى أسير حلقة مفرغة من الهواجس والسلوكيات القهرية التي قد تؤثر على طريقة تفكيره وسلوكه وشخصيته مدى الحياة.


أعراض الوسواس القهري

تظهر قسوة الاضطراب وآثاره السلبية في جانبين:

أولاً: الأفكار المزعجة المتكررة (الوساوس)

تتمثل هذه الأفكار التي تعطل سير حياتك اليومية على نحو طبيعي وتتسبب في شعورك بتوتر شديد في الموضوعات التالية:

  • النظافة: الخوف المفرط من الجراثيم والبكتيريا أو ملامسة أي مواد ملوثة.

  • الترتيب والنظام: الحاجة الملحة لترتيب الأشياء بطريقة معينة أو التحقق من أن كل شيء في مكانه الصحيح.

  • المثالية والكمال: الخوف من الخطأ والهوس بالأخلاق.

  • الأذى: الخوف من عدم القدرة على السيطرة على النفس وإلحاق الأذى بها أو بالآخرين.

  • وساوس مزعجة: متعلقة بالدين أو الجنس.

  • الشك: المستمر في القيام بأشياء معينة، مثل إغلاق الباب أو إطفاء الضوء.

ثانيًا: الأفعال أو السلوكيات القهرية

هي الأفعال الجسدية أو العقلية التي تشعر أنك مضطر للقيام بها حتى إن كنت لا ترغب في ذلك، أو حتى إن كنت ترى أنها غير منطقية. 

وتؤديها لتحاول الفكاك من سيطرة الوساس على عقلك، وأشهرها:

  • ترتيب الأشياء بطريقة محددة ودقيقة.

  • الإفراط في التنظيف أوالاستحمام أو غسل اليدين.

  • جمع أو تخزين أشياء لا تحمل قيمة شخصية أو مالية.

  • التحقق المتكرر من الأشياء، مثل الأقفال والمفاتيح والأبواب.

  • التحقق باستمرار من عدم تسببك في إيذاء نفسك أو إيذاء شخص ما، مثالاً على ذلك تفحص جسدك باستمرار.

  • البحث باستمرار عن الطمأنينة عبر كلام الآخرين.

  • الطقوس المتعلقة بالأرقام، مثل العد، أو القيام بمهمة لعدد معين من المرات، أو تفضيل أو تجنب أرقام معينة.

  • الحرص على عدم ملامسة الأشياء والأسطح التي يلمسها الآخرون، مثل مقابض الأبواب، وتجنب المصافحة.

  • أداء حركات جسدية متكررة.

  • تكرار طقوس متعلقة بالعبادات.

وتعد أكثر أعراض اضطراب الوسواس القهري شيوعًا تلك المتعلقة بالهوس بالنظافة وتجنب الجراثيم.

حيث أظهرت الدراسات أن نسبة 46% من الأشخاص الذين تم تشخيصهم بالاضطراب يعانون من هذا النوع.


أسباب الوسواس القهري

لم يتوصل الباحثون لسبب محدد للوسواس القهري، ولكن هناك عدة عوامل قد تساهم في ظهوره:


العوامل الوراثية: إذا كان هناك شخص في عائلتك يعاني من هذا الاضطراب، فمن المحتمل أن تكون أكثر عرضة للإصابة به.

وظائف الدماغ: قد تكون هناك اختلافات في بنية الدماغ لدى الأشخاص المصابين بالوسواس القهري، مما يؤثر على كيفية معالجتهم للمعلومات والعواطف.

الصدمات المبكرة: يمكن أن تؤدي الأحداث الصعبة التي مررت بها خلال طفولتك مثل الصدمات إلى زيادة احتمالية إصابتك بهذا الاضطراب لاحقًا.

التغيرات الهرمونية: بعد الحمل والولادة قد تظهر بعض أعراض الوسواس القهري لدى الأمهات الجدد.



الوسواس القهري عند الأطفال

على الرغم من الاعتقاد الشائع بأن اضطراب الوسواس القهري يصيب البالغين بصورة أساسية، إلا أنه يؤثر على الأطفال أيضًا بنسبة كبيرة.

ويشترك المصابون من الأطفال والبالغين في العديد من السمات، إلا أن الاختلاف يظهر في جوانب أخرى مهمة، خاصةً فيما يتعلق بالظهور الأولي للأعراض وطرق العلاج الفعالة.

بصورة عامة، يُعتقد أن هذا الاضطراب ناتج عن تفاعل معقد بين عوامل وراثية وبيئية، بما في ذلك التوتر والاختلالات في عمل الناقلات العصبية في الدماغ. 

إلا أن بعض الأبحاث أشارت إلى سبب إضافي عند الأطفال. حيث أظهرت وجود صلة محتملة بين الإصابة بالاضطراب لدى بعض الأطفال وبعض الاضطرابات المناعية الذاتية، مثل متلازمة بانداس (PANDAS).  تتميز متلازمة بانداس بظهور مفاجئ لأعراض الوسواس القهري أو حركات لا إرادية بعد إصابة الطفل بأنواع معينة من العدوى البكتيرية، مثل التهاب الحلق العقدي. 

تشخيص الوسواس القهري

لا يوجد اختبار محدد لاضطراب الوسواس القهري، لكن يشخص مقدمو الرعاية الصحية الحالة بعد سؤالك عن الأعراض والتاريخ الطبي والصحي العقلي الشخصي والعائلي.
ويطبق مقدمو الرعاية المعايير الموضحة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، الطبعة الخامسة (DSM-5) لتشخيص الاضطراب، وتتضمن هذه المعايير:


  • وجود وساوس أو سلوكيات قهرية أو كليهما.

  • تستغرق الوساوس أو السلوكيات القهرية الكثير من الوقت (أكثر من ساعة في اليوم).

  • تتسبب الوساوس أو السلوكيات القهرية في الشعور بالضيق أو تؤثر على مشاركتك في الأنشطة الاجتماعية أو مسؤوليات العمل أو أحداث الحياة الأخرى.

  • ألا يكون السبب في هذه الأعراض تناول مواد مخدرة أو كحول أو أدوية أو بسبب حالة طبية أو حالة عقلية أخرى مثل اضطراب القلق العام أو اضطراب الأكل.

لا يمكنك منع اضطراب الوسواس القهري، لكن يمكن أن يساعد التشخيص المبكر والعلاج في تقليل أعراضه وتأثيراته على حياتك.

علاج الوسواس القهري

بعد تأكيد تشخيص الإصابة بالاضطراب، من الضروري العمل مع فريق رعاية صحي يضم طبيبًا نفسيًا أو معالجًا سلوكيًا لوضع خطة العلاج المناسبة لحالتك. ومن طرق العلاج المتبعة:

  • العلاج السلوكي المعرفي: هو العلاج الأكثر شيوعًا وفعالية في التعامل مع اضطراب الوسواس القهري.
    يهدف هذا العلاج إلى مساعدتك على تغيير أنماط تفكيرك وسلوكياتك التي تزيد من القلق.

 ومن أشهر الوسائل التي يتضمنها هذا النوع من العلاج التعرض ومنع الاستجابة، أي التعرض التدريجي للمواقف التي تسبب القلق ومنع القيام بالسلوكيات القهرية كاستجابة لذلك.


  • العلاج بالقبول والالتزام: يساعدك هذا العلاج على قبول الأفكار والمشاعر المزعجة بدلاً من محاولة مقاومتها.

  • الأدوية: قد يصف الطبيب أدوية مثل مضادات الاكتئاب أو حاصرات بيتا للمساعدة في تخفيف أعراض القلق والوسواس.

  • مجموعات الدعم: الانضمام إلى مجموعة دعم يمكن أن يوفر لك الفرصة للتحدث مع أشخاص يمرون بتجارب مماثلة وتبادل الدعم والمعلومات.

  • التغلب على التوتر: ممارسة طرق للاسترخاء مثل التأمل والتنفس العميق يمكن أن تساعد في تقليل التوتر والقلق المرتبطين باضطراب الوسواس القهري.


وختامًا نود التأكيد على أن الوسواس القهري ليس معركة يخوضها المريض وحده، حيث يؤدي دعم العائلة والأصدقاء دورًا أساسيًأ في مسيرة التعافي.

فمع العلاج المناسب والدعم، يمكن للأشخاص المصابين بهذا الاضطراب أن يعيشوا حياة أكثر سعادةً وأقل قلقًا.

ومن خلال فهم طبيعة هذا الاضطراب وتعلم مهارات جديدة للتكيف معه، يمكن التغلب على الوساوس والسلوكيات القهرية وتحسين نوعية الحياة بصورة كبيرة.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-